-A +A
هادي الفقيه
قبل أكثر من عامين إبان مراسم عزاء في بيت قريب اتصل رجل يدعي أنه دكتور في إحدى الجامعات السعودية ويعمل مستشاراً ووكيلا شرعياً لشخصية معروفة بالخير والعطاء، وأكد أنه قرأ خبر الوفاة في صحيفة محلية، وقدم تعازيه «الحارة جداً» مع تطمينات لأسرة المتوفى «أن لا خوف على أطفاله، لأن الشخصية سوف تتكفل بنفقة الأطفال مدى الحياة»، وأنهى المكالمة بطلب رقم الحساب وإرسال مبلغ 20 ألف ريال لتجريب إمكانية التحويل بين الحسابات.. «طيب يا ذكي».
انتهت المكالمة وسريعاً بدأ الدعاء بأن الشخصية محسنة ستحول مبلغاً كبيراً، وعندما أبلغني شقيق المتوفى شككت في الأمر خصوصاً مسألة تجريب التحويل بين الحسابات، علمت في حينها أن المتصل نصاب محترف يقرأ أخبار الوفيات في الصحف ويختار المتوفين من أهل القرى والهجر والمدن البعيدة معتقداً أن فيهم من الجهل ما يمكنه من النصب. وأمام حديث شقيق المتوفى عن الأمانة وأن من حدثه دكتور في الجامعة وليس رجلا مختلا والمسألة تتعلق بعزاء وموت وأيتام.. هكذا على طريقة الثقة المزروعة في الثقافة الشعبية.
إزاء ذلك فضلت البحث عن الشخصية التي تحدث عنها وتأكدت أن لا علاقة لهم بالشخص لا من قريب أو من بعيد وأسمعت قريبي بـ «أم وأبو أذنه» ليؤمن أن من كلمه نصاب، وما إن قصصت الحادثة على أصدقاء حتى انهالت حكايات لا تنتهي، سأروي واحدة من أظرفها رغم ألمها.
استأجر محتال سيارة فاخرة وسائقا ومساعدين من جنسية عربية «وطق البشت والنظارة الشمسية» وجاب قرى لم تصلها الكهرباء جنوب مكة المكرمة قبل نحو عشرة أعوام، والتقى شيوخ القبائل وطلب حصر أعداد الأسر والمنازل وطلب من أعوانه ترقيم المنازل، وعندما سألوه عن الموعد قال: «قلبي معكم أعرف أن بينكم مرضى وأطفالا ونساء، وطالبت من أجلكم كثيراً ولكن للأسف المشروع سيتأخر بسبب التمويل، وهناك حل واحد أن تدفعوا مقدم فواتير ستة أشهر ليشعروا أنكم جادون ولن تتهربوا»، هب بعض الأعيان وجمعوا المبالغ وغادر النصاب بالمال ولم يعد «حتى تاريخه».
«أطزج» قصص النصب التي نشرت أخيراً، هي للمحتال على أسرة جان محكوم بالقصاص في القنفذة، إذ أوهمهم أنه سيجمع مبلغاً كبيراً عبر وسطاء يعرفون وجهاء سيتدخلون عاجلاً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلوم والد الجاني فهو صاحب حاجة وفي موقف لا يحسد عليه يبحث عن بصيص أمل لأبنه.
لم يردع النصابين لا الموت ولا القصاص ولا الألم والمشكلة الأكبر أن هؤلاء يستغلون البسطاء الفقراء والمحتاجين من جهة، ويسيئون لشخصيات تلقى تقديراً واحترماً رفيعاً في المجتمع من جهة أخرى.
آمل أن نسمع عن عقوبة مغلظة لنصاب احتال على بسطاء ليردع البقية وأن توعي الإمارات والمحافظات ومراكز الشرط بالتعاون مع شيوخ القبائل والعمد، الناس حول أساليب النصابين وطرقهم الملتوية، والرجوع إلى الجهات الأمنية في التعامل مع أي شخص يدعي أنه يمثل شخصية مهمة أو اعتبارية ويملك قدرات و«هياط» حتى في جلب «لبن العصفور».
Hhf261@gmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 261 مسافة ثم الرسالة